الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة المخرج طاهر عيسى بالعربي: لا يهمني تجار الفن ولا نوفل الورتاني ولا البوز السخيف

نشر في  09 جوان 2015  (16:17)

انبعثت، يومي السبت والأحد 6 و7 جوان، من دار الثقافة بئر لحجار بالمدينة العتيقة أجواء ذات نكهة متفردة، أجواء عرض «بطاقة هوية» الذي مزج موسيقات العالم بروح «الحومة العربي» بكل ما تتضمنه هذه العبارة من خصوصية ومن انفتاح على الآخر... حول هذا العمل الفني الضخم الذي جاء في شكل أوبرا موسيقية شارك فيها قرابة الـ30 فنانا، كان لنا لقاء مع المخرج طاهر عيسى بن العربي الذي كشف لنا خفايا عمله الفني الجديد الذي «صممّه» بمعية كل من رانية الجديدي وأكرم الميساوي محمد أمين لحمر ومحمد علي بن رمضان.

قلت في بداية العرض إنّ عمل «بطاقة هويّة» انبنى على جرح فني، فلو فسرت لنا ما تقصد؟

أحمل بداخلي جرح عمل مسرحي لم يكتمل، عرض «الحشاشين» المقتبس عن نص «سمرقند» لأمين معلوف والذي اشتغلنا عليه بمشاركة مجموعة من الممثلين طيلة 7 أشهر، غير أنّ المنتج لم يرق له الجانب الإبداعي ومتطلباته وغلّب الجانب المادي والتجاري ممّا أدى الى سقوط المشروع في الماء، وقد كانت الضربة موجعة بالنسبة إلي..

قد تكون الشروط التي فرضتها على المنتج مجحفة؟

بصراحة لا.. مع الأسف، ليس لنا منتجون جديون، بل منتجون بعقلية «تجار» و«سماسرة» وذلك سبب الرداءة التي نراها اليوم.. شخصيا أسعى الى تقديم عمل فني محترم ولا أبحث عن استعراض عضلاتي، لا أبحث عن الشهرة ولا عن البوز السخيف.. لا يهمني برنامج نوفل الورتاني ولا غيره من البرامج المهينة للفن وللثقافة... أنا امارس الفن كفعل مدني وفعل مقاومة ضدّ الجهل والمعرفة المنحطة، ضد التيار المتفشي الذي يكرس الرداءة.

لو حدثتنا عن عرض «بطاقة هوية»؟

في ظلّ غياب أي تمويلات وأي جهد انتاجي جدي، اقترحت على الفنانة رانية الجديدي، نجمة برنامج "إكس فاكتر" تقديم عمل غنائي فرجوي يقتحم فضاءات المواطنة، فكانت «بطاقة هوية» وهي كوميديا موسيقية مفتوحة على عدّة أنماط غنائية، تجاوزنا فيها الحدود الضيقة والثقافات الجامدة لنروي فنيا المزيج الثقافي الموجود في بلادنا في وقت أصبح فيه المواطن يشعر بالاغتراب وبالخوف من الآخر بحكم ما نعيشه من إرهاب ومن تدهور اقتصادي. وقد حاولنا في مختلف أطوار العرض -الذي قامت ملاك الأبيض بدور مساعد المخرج فيه ـ التركيز على هويتنا المتعددة وبإمكان المتفرجين التمتع في «بطاقة هوية» بأنماط موسيقية مختلفة من البدوي الى الراب إلى الفلامنكو إلى الأنغام الإفريقية والآسيوية وغيرها.

ألم يُعقك هذا التنوع؟

بالعكس، في هذا العرض فتحت المجال لعدة فنانين على غرار مطربة الموسيقى البدوية زكية الجريدي والمنشد سمير الرصايصي وبدرة بن العربي وحمزة الورتتاني ومحمد أمين الشعيري وزياد سليم وغيرهم ليعبر كل واحد منهم بطريقته. لقد بحثت عن «شاعرية الشارع» بما فيها من عفوية وألم وحرية، وعملت على إيصالها إلى المتفرج بلا تجديد ولا تهذيب، بل اكتفيت بتحيينها حتى تعبر عن تونس «اليوم وهنا».

لكن هناك رمزية كبيرة في العرض؟

صحيح، اللغة الرمزية كانت حاضرة، والعرض تضمن عدة إيحاءات وإشارات لمواضيع شائكة في مجتمعنا، مثل موضوع الجسد وحريته، والعنصرية واختلاف الأديان، والتونسيين الذين يحملون الجنسية المزدوجة، والمثلية، والمخدرات، والسياسة وقد قلنا كل ذلك بـ«هنك» أي بروح شعبية مبسطة وغير مستعصية على المتفرج.

الطابع البدوي كان حاضرا بكثافة في العرض، فما هي الرسالة التي أردت توجيهها؟

دون شك، نحن بحاجة اليوم الى بنك "une banque" للتراث الفني يضمن عدم تلاشي المخزون الموسيقي والراقص، فالريبرتوار البدوي لا يقل شأنا عن المالوف وهو يزخر بالصور الشعرية. هناك أشخاص، هم في نظري بمثابة المعلمين «les maîtres» الذين يجب الاستفادة منهم على غرار سعاد محاسن التي تحفظ التراث الكافي.. الهادي بن صالح توفي في السنة الفارطة دون أن نوليه الاهتمام الذي يستحقه وهو في نظري كتاب ومرجع في الموسيقى البدوية.. مع الأسف قلة قليلة تؤمن بهذه المشاريع التي تمثل جانبا هاما من هويتنا.

في العرض عدة ثنائيات، منها «ديو» جمع بين رانية الجديدي التي أدت «إرضى علينا يا لميمة» وأكرم الميساوي الذي أدى «شيد قصورك» فما الذي كنت تقصده بهذا الثنائي؟

ببساطة الركح كان أشبه بالحومة التي حضر فيها كل واحد بشخصيته المختلفة ليعبر بالطريقة التي يرتئيها، «المثقف» الذي يؤدي «شيد قصورك» و«ولد الحومة» الذي يغني «ارضى علينا لما لميمة» كلهم أبناء البلد الواحد وبإمكانهم أن يتعايشوا ويتحابوا دون أي إشكال. لماذا العدوانية ولماذا العنف إذا كان بإمكاننا أن نعيش على اختلافاتنا في سلام؟ لن أخفي عليكم أن من بين الفنانين المشاركين في العرض نهضويين وآخرين يناصرون نداء تونس وآخرين لا تهمهم السياسة، بعضهم من الأحياء الشعبية وآخرون من الأحياء الراقية لكنهم اشتغلوا مع بعضهم في تجانس تام ودون صعوبات تذكر. ولعل عمل «بطاقة هوية» يعكس الموزاييك الموجودة في المجتمع التونسي، تلك الموزاييك المتكاملة لا المتنافرة تلك التي تتداخل وتتفاعل أجزاؤها الصغيرة لترسم هوية فنية متماسكة قوية وجميلة وإن كانت متعددة.

شيراز بن مراد